حصلت قبل أيام على كتاب “تأملات في السمو الإنساني” وهو كتاب مفيد يبحث في قضايا تطور النفس والمجتمع أحبُّ أن أسلط الضوء عليه لفائدته.
هو كتاب متوسط في 142 صفحة يتحدث كما جاء في عنوانه عن السمو ، والسمو كما هو معروف أرقى حالات الإنسانية فصاحب السمو أعلى من السيد والأستاذ والبيه والبيك والباشا وغيرها من الألقاب التي ورثناها. إنه بمثابة الإحسان في مراتب الدين.
يتألف الكتاب من 17 فصلا بعض عناوينها : مدخل لثقافة السمو/ المستويات الثلاثة من الاحتياجات الإنسانية / النسخة الأصلية من الذات/ وقود الجوع/ العطاء والإيثار/ الألفة بين القوة والحب/ الاكتشاف والإبداع/ مع الله/ الصبر ةالعزيمة والثبات / حب الذات / التصالح مع الموت/ الاحترام والتواضع وغيرها من العناوين.
تدور جميع العناوين على فكرة واحدة ألا وهي الارتقاء بالإنسان للوصول إلى حالة السمو وهو على رأي د.ناصر الاندماج الكامل مع الكون بكل ما فيه والتخلص من السلبية بشكل كامل وتحمل المسؤولية.
صفة الحسد لا يمكن أن تجتمع مع السمو
وفي فصل من التواصل إلى الألفة وهو أهم الفصول يرى أن التواصل مع الناس وألفتهم يبعد الناس عن الاكتئاب، ويساهم في الارتقاء والنمو الإنساني والمعرفي والاستقرار النفسي، ويرى أن الوحدة والانعزال وعدم تقبل الآخرين من أهم عوامل تدهور صحة الإنسان النفسية والجسدية، بل إنها أحد عوامل الموت المبكر. وكأنه يريد أن يقول الحديث الشريف: “المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس”
أما في فصل وقود الجوع فيرى أن الجوع المعرفي هو المحرك للسمو، ألم يطلب نبي الله موسى من الرجل الصالح مصاحبته من أجل إشباع نهمه للمعرفة بالرغم من أنه نبي الله ؟ وهذا ما تعرض له في الفصل التالي “ممارسة الزهد والوعي بأن الإشباع مصدر النقص، وكما ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه “الجوع”: بلغنا أن طول الجوع يورث الحكمة، ولا شك أنه يقصد بالجوع الزهد الحقيقي وهو الرقي بعد الاكتفاء.
وأما في فصل العطاء والإيثار، وبعد مناقشة لمفهوم العطاء والإيثار بعد الزهد يصل المؤلف أن هذه الصفات لا بد منها للذي ينشد السمو ولكنه يشترط أن يكون العطاء بإتقان لأنه قلب العطاء وهو الذي يصل لفائدة المجتمع كله عندما تمتزج الأنا والذات مع المجتمع. وأما الإيثار فلن يناله إلا من حلق عاليًا وفضل غيره على نفسه.
فصل “حب الذات
كثير من القضايا الفكرية والمجتمعية يناقشها د. ناصر وكلها تصب في خدمة المجتمع الذي لا يتطور إلا بتطور النفس البشرية التي تساهم في النمو والارتقاء إلا أن أكثر فصل شد انتباهي هو فصل “حب الذات: الأنانية المحمودة”، فهو يرى أن حب الذات المحمود والمعقول لابدَّ منه للنفس البشرية، فلا يمكن لمن لم يحب نفسه ويعتني بها أن يحب أو يعتني بغيره بحب سامٍ وحقيقي، فلا بد من قبول الذات ولكن باعتدال وتهذيب دون أنانية مفرطة أو خصوصية غارقة.
وفي فصل “الاحترام والتواضع” يلخصه بأن احترام الآخرين والتواضع هما جناحا السمو وكما جاء في الحديث الصحيح “ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه” وهذا العنصران على نقيض من الغرور والكبرياء والفخر غير المحمود، فلا شك أن جلَّ الناس يكرهون نقيض الاحترام والتواضع.
ينهي المؤلف كتابه بفصل “الطريق إلى الجنة” وهو الطريق الذي سار عليه الرسل والأنبياء والصالحون والعلماء، ولا شك أنه طريق السمو والإيثار ومحبة الناس وإرشادهم للخير قولا وعملا.
كثيرة هي الحكم والعبر التي ذكرها المؤلف وهي نتيجة خبرته في الحياة وضعها ضمن استراتيجيته في العمل ونصح بها لكل من يتطلع للأفضل ويؤمن أن شيئًا جميلا وعظيمًا على وشك الحدوث مع كل صباح لمن يريد أن يتحول إلى نهر من العطاء والإيثار الذي يغذي الأرواح ويرتقي بها ويعود بالنفع على المجتمع كله.
نبذة عن المؤلف:
الدكتور ناصر بن دهيم يحمل درجة الدكتوراه من جامعة سيدني الأسترالية.
شغل عدداً من المناصب الإدارية في الجامعة السعودية الإلكترونية والهيئة العامة للغذاء والدواء حيث أسس مركز الأبحاث والدراسات فيها.
أسس جمعية شارك للأبحاث والدراسات ويشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس إدارتها. بالإضافة إلى ذلك، فهو يشغل حالياً منصب الرئيس المكلف لجمعية الصناعات الدوائية، وأستاذ مساعد في جامعة الفيصل، ومستشاراً في العديد من الجهات الحكومية والقطاع الغير ربحي. وقد عمل سابقا كعضو في مجلس إدارة المركز السعودي لسلامة المرضى.
حاصل على شهادة البرنامج التنفيذي في استراتيجيات التطوير والابتكار وشهادة البرنامج التنفيذي في القيادة المتقدمة من جامعة انسياد.
يعد د. ناصر أحد الكفاءات المهنية المتميزة في مجال القطاع غير الربحي لما يمتلكه من خبرة طويلة في مجال التخطيط الاستراتيجي والحكومة ورسم السياسات وريادة الأعمال الاجتماعية واستدامتها وقياس الأداء للمنظمات.
خليل الصمادي