وجهات نظر

الشيلات تسقط عرش العرضة الجنوبية. وشعراء العرضة يتدخلون

على غير العادة شهدت الحفلات والمناسبات الاجتماعية والأعراس في مناطق الجنوب تراجعًا ملحوظًا في إقامة حفلات العرضة الجنوبية حيث توقف غالبية أصحاب المناسبات والأفراح عن دعوة الشعراء والاكتفاء بالشيلات مما أدى إلى كساد في سوق الشعراء وفرق الزير والفرق المتخصصة في الرقصات الشعبية لتلك المناطق.. «المدينة» استطلعت آراء عدد من الشعراء والمهتمين بالتراث وأجمعوا على أن المبالغة في المطالب المادية أو ما يسمى بالكسوة إلى جانب ظهور فن الشيلات ووجود بعض السماسرة الذين يسعون لإقصاء المواهب إلى جانب المتطفلين الذين يحضرون بدون دعوة تأتي على رأس أسباب العزوف عن إقامة الحفلات في الصيف الحالي، فما دعا المهتمين بالثراث شعراء العرضة إلى البعد عن المبالغة في طلب الأجور حتى يستمر الموروث في التوهج.

ابن حوقان: هناك شعراء يحاولون الانتقام من أصحاب المناسبات

ففي البدايه يقول الشاعر محمد حوقان: تكاد تتفق آراء الجميع على أن أسباب العزوف عن إقامة الحفلات يكمن في التالي:

أولاً: الحالة الاقتصادية للعريس، ثانيًا: عدم اهتمام الشعراء في إخراج الحفل بالمظهر الطيب، ثالثاً: تدخلات بعض الشعراء لدى أصحاب الحفلات في تغيير تشكيلات الشعراء وإذا ما أطاعهم البعضهم يبحث عن حفلة أخرى للانتقام من صاحب الحفلة لأنه ما نفذ تعليماته، رابعًا: كثرة الشعراء غير المدعوين (المتطفلين) وتدخلهم في الحفل بوساطات من أقارب وأصدقاء صاحب المناسبة، خامسًا: الشّيلات والتي أصبحت شائعه وغير مكلفة.

الحريري: السماسرة وراء إقصاء المواهب

أما الشاعر: صالح الحريري فقال: من أهم أسباب العزوف عن إقامة حفلات العرضة اختلاف رغبة الجيل الحالي مع الجيل السابق من جمهور العرضه الذين يعتبرون أن العرضه فنًا وليست موروثًا، واستبدالها بالشيلات لقلة التكلفة وتنوع الأنغام والأصوات الموسيقية حسب رغباتهم وتدخل سماسمرة الحفلات الذين يقومون بإقصاء المواهب الحقيقية ودعم المستشعرين بمبالغ زهيدة وأقل تكلفة حتى أفقدوا الجمهور الذائقة الشعرية ومحبي العرضة الجنوبية رونقها الجنوبي المعروف وكذلك قلة الحضور الجماهيري والمشاركة في المناسبات والاكتفاء بالمتابعة عبر وسائل التواصل التي من خلالها يتم مشاهدة الحفلة كاملة بشكل مباشر دون عناء الذهاب إلى مقر الحفلة.

عبدالواحد: الوضع لم يتغير

ويختلف الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود عما طرحه زملاؤه الشعراء حيث قال: منذ أن عرفت العرضة وهي بهذا الوضع، تحدث في كل قرية مرة أو مرتين في السنة لا أكثر، وبقية المناسبات كانت تتم بدون أي احتفالات حتى، استقبالات وعشاء فحسب، ومن يقيم الحفلات عادة ليس فقط المقتدر ماديًا، ولا عشاق هذا الفن، و لكنها عبارة عن هدية تقديرية إما احتفاء بالعريس احتفاء مميزًا، أو لأن الرجل يحب أن يكرم ضيوفه بساعة يستأنسون فيها.

أما الشاعر أحمد «أبو توفيق» فقال أبرز أسباب عزوف الناس عن إقامة حفلات العرضة الشعبية هي: المبالغة من الشعراء والفرق الشعبية وفرق الزير في مطالبهم المادية.

– ضعف جزالة شعر العرضة في الآونة الأخيرة وأصبح كلاماً مستهلكاً ومكرراً.

– افتقاد الحماس من عناصر العرضة وهم الشعراء والصفوف والفرق الشعبية والزير.

أما علي بن ضيف الله بن خُرمان فيقول:

يلاحظ فعلاً أن هناك عزوفاً عن إقامة حفلات العرضة أو لنقل قلة إقامة هذه الحفلات، ولعل العزوف بدأ منذ أزمة فيروس كرونا والحجر الذي تم خلال السنوات الأولى منه.. وأستطيع أن ألخص هذا العزوف من وجهة نظري في النقاط التالية:

بعد أن منعت الحفلات في سنوات حجر كرونا اعتاد الناس على إقامة المناسبات دون حفلات، قامت بعض القبائل والقرى بعمل اتفاقات لتقليل كلفة الزواجات ومن ضمنها عدم إقامة الحفلات و الشيلات التي خدمت أصحاب المناسبات، الزواجات الجماعية في بعض القرى.

معيض العمري: هذه أذواق لن يستطيع أحد أن يتحكم بها

قال الشاعر معيض العمري بأن الناس أذواق فمنهم من يهوى ويطرب للشيلات ومنهم من يهوى العرضة, ولن يستطيع أحد التحكم بأذواقهم حتى وإن حاول بعض الشعراء التأثير لكي يتم تقنين أو إلغاء استخدام الشيلات الحماسية والطربية في ميدان العرضات, _لغاية في نفس يعقوب_ , وأعتقد بأن جلّ الشعراء يحاولون إلغاء وجود الشيلات لكي لا يضعف وجودهم وسوقهم في هذا المجال, وليس خوفا على الموروث.. الموروث محفوظ منذ آلاف السنين وسيبقى.

باشان: التكاليف المادية وتجاوزات الشعراء

ويقول الإعلامي عبدالله باشان: بالتأكيد بدأ العزوف مؤخرًا عن إقامة احتفاليات العرضة الجنوبية وهذا الأمر ملاحظ بشكل لافت ويلاحظ ذلك من بداية انتشار فيروس كورونا وأعني بهذه الاحتفاليات ما يخص استقطاب الشعراء لإحياء تلك الاحتفاليات وهناك عدة أسباب لعل أهما استشعار أصحاب الزواجات بثقل الكلفة المادية عليهم مما جعلهم ينصرفون إلى إقامة زواجات مختصرة أو اللجوء إلى فن الشيلات الرخصية الثمن والتي يتحكم في مضامينها أصحاب الزواجات ويطوعونها لمشروعهم الأسري وهي تؤدي دورًا كبيرًا في إحياء زواجاتهم..

فالشيلات مثلاً لا تكلف أصحاب الزواجات أكثر من ألفي ريال وتؤدي أدوارًا كبيرة تختصر ما يقوله أربعة شعراء وصاحب زير وتصوير والتي قد تصل تكلفتها إلى خمسة وعشرين ألف ريال.. ناهيك عن ساحة العرضة أتخمت بمئات الشعراء سواء الجيدين منهم أو الأقل جودة وما يحدث فيها من معارك كلامية لا تخدم الحدث ولا أصحاب الزواجات بل تبقى أثرًا سيئًا في النفوس خصوصًا وأننا نحن الجنوبيين شديدو الحساسية عندما تصدر بعض التجاوزات من بعض الشعراء سيما أن الفن الجنوبي يعتمد دفن المعنى فتكثر التأويلات والتفسيرات بين الجمهور وتطير بها الركبان.

وخلاصة القول: إن الوعي تشكّل لدى الناس إضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في كل مناحي الحياة وهذه أسهمت بشكل مباشر في أفول هذه الحفلات إلا ماندر وماندر لا قاعدة له..

وهناك سبب آخر ارتقى مؤخرًا وهو إقامة الزواجات الجماعية والزواجات العائلية والاتفاقات القبلية بضرورة اختصار مناسبات الزواج والبعد عن الإسراف وبطبيعة الحال يتم منع احتفاليات العرضة فيها بلوغا لتحقيق الهدف من هذا الاختصار .

ابن غرسان: على الشعراء التنازل عن المبالغة لضمان بقاء الموروث

ويقول الباحث في الموروث الشعبي علي غرسان: في اعتقادي أن الموروث الشعبي أحد أهم الركائز المرسخة للهوية الوطنية؛ كونه مرآة عاكسة للثقافة والقيم المجتمعية والعادات والتقاليد الأصيلة سيما أن الموروث يمثل الوعاء الحقيقي والجسر الحضاري الذي يربط الأجيال بين حاضرهم وماضيهم؛ ومن أبرز الموروثات الشعبية في وطننا العرضة الجنوبية التي تحتل مساحة واسعة في المشهد السعودي؛ وفي الوقت الذي نلحظ فيه حاليًا تراجعاً نسبياً في الآونة الأخيرة لمسببات أبرزها القناعات الاجتماعية التي ترسخت أثناء وبعد جائحة كورونا حيث ركنت القبائل الجنوبية لاختزال مظاهر الأفراح ومناسبات الزواج والتخفيف من مظاهرها المعتادة حتى بتنا نرى الزوجات العائلية المختصرة والزوجات الجماعية؛ مع الاكتفاء فيها بما عرف بالشيلات التي هي بلا شك تؤدي جزءًا من البهجة لكنها لا تقارن بإقامة العرضة التي يحيها شعراء وفرق الزير ولها رونقها الماتع البهي.

وطالما الحديث عن العرضة؛ فالمفترض أن نعطي هذا الموروث قيمة أكبر ونضعه في دائرة الاهتمام سيما في ظل التحديات المتنامية التي تستهدف هويتنا الوطنية والاجتماعية؛ فالشعوب الواعية لا تهمل موروثها الشعبي بل تسعى لجعله أيقونة للأجيال؛ ومن هنا يمكن توجيه رسالة لشعراء العرضة الذين يمثلون ركيزة أساسية في العرضة بأهمية المساعدة في بقاء العرضة في دائرة الوجود من خلال التنازل عن المبالغ المالية الكبيرة التي كانوا سابقًا يتقاضونها وهي مبالغ مستحقة لكن في الوقت الحالي ينبغي مراجعتها لضمان بقاء العرضة وتشجيع الراغبين في إقامتها فكلنا نهدف لغاية واحدة بأن تبقى العرضة موروثاً جنوبياً نعتز به ونفخر به ونتكامل لبقائه شامخاً حاضراً ماتعاً وجماهيريًا.

بن صنيق: الشيلات هي السبب

وعلق الشاعر صالح بن صنيق العمري بالقول: اختلفت الأجيال ففي السابق كان هناك اهتمام كبير بالعرضة أما حاليًا فالجيل الحالي يفضل الشيلات من أجل قلة التكلفة وكذلك الشيلة لا تحتاج لمكان فسيح مثل العرضة بل يتم تشغيلها في أي مكان، ولكن تبقى للعرضة أهميتها وقيمتها وجمهورها.

فاضل: مبالغة الميسورين في عطايا الشعراء

ويشارك الشاعر فاضل الزهراني قائلاً: من أهم أسباب عدم إقامة حفلات العرضة مبالغة الميسورين في عطايا الشعر حتى أصبح أغلب الشعراء ينتظر هذه الفئة.

القشطي: عزوف الجمهور ومبالغات الشعراء

عطيه القشطي يقول: العرضة الجنوبية من أهم الموروثات الشعبية وخاصة عندنا في منطقة الباحة وكانت من أهم شعارات مراسم الأفراح في الزواجات والأعياد والمناسبات الوطنية بصفة عامة.ومن ما نلاحظه في الأوقات الأخيرة ومن فترة ليست بالبعيدة تقلص هذا الموروث وقلته ومن وجه نظري أبرز الأسباب وأهمها ما يترتب عليها النواحي المادية من كسوة الشعراء واشتراطات البعض مبالغ قد تكون مرتفعة لا قدرة لصاحب الحفل عليها.

كثرة الشعراء وقلة المحتوى الشعري وعدم الفائدة من حشو الكلام في القصائد المقدمة، عزوف الجمهورو عدم المشاركة في العرضات من الحاضرين إلا القلة فقد يكون الحضور 200 والعراضة لا يتجاوزون 50 على سبيل المثال.

رئيس فرقة رعد الجنوب: تحولت إلى هياط

أما رئيس فرقة رعد الجنوب عبدالله عبدالرحمن فقال: هناك عدة أسباب يجب الوقوف عندها وأولها التشبع من مشاهدة الحفلات عبر شاشة التلفاز، أما في زمن الطيبين فكان ينتظر أهالي القرية زواج أحد أبنائهم لكي يحتفلون عاماً كاملاً أو أكثر ويعدون العدة ويتكاتفون وكانت الحفلة تمثل أهل القرية كلهم وكان لايحضر الحفله من خارج القرية إلا من قدم له دعوة وبدأت تتلاشى هذه العادات بعد أن بدأت الحفلات تقام خارج نطاق القرية وبالتحديد في المدن فأصبحت الحفلات في جدة ومكة والرياض أكثر وأصبح الحضور لها من خارج نطاق القرية بل من كل حدب وصوب ولايكاد أن يوجد مع العريس إلا أقاربة من الدرجة الأولى أما البقيه غرباء يبحثون عن متنفس وتحولت من فرح واجتماع الأقارب وأهل القرية إلى تباهي وهياااااط، وزاد الحمل أكثر الجيل الجديد الذي أصبح توجهه إلى الحفلات الغنائية ومع الخيل ياشقرا، ومبالغة الشعراء في الأسعار رغم عدم وجود التجديد في المفردات وتكرار الألحان، أخيراً: قيمة ما يدفع للشعراء في هذا الزمن يأمن تكاليف الزواج بالكامل مع (شيلة تكررها بدون اشتراط) وتذاكر سفر وأنت لك الخيار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى